Monday, 20 August 2007

لماذا يخافون الإسلام الذي بشر بقيم موسى وعيسى؟....زين العابدين الركابي

هل الكوكب الأرضي يتسع لكل الأديان والأمم، ويضيق ـ فقط ـ بدين الاسلام وبالمسلمين؟.. إننا نعجب من هذا التحامل غير المبرر على الاسلام كدين لأننا نعلم ان الاسلام دين سماحة وتعارف وتفاهم واحترام للتعدديات المختلفة ويحرص على ازالة الأسلاك الشائكة بين الثقافات والحضارات وقد جاء بهذه القيم في وقت كان فيه العالم غارقا في الظلام في عهود ما سمي (بالقرون الوسطى المظلمة) في اوربا، وهي القرون التي كانت تقابلها نهضة التنوير العقلي والمعرفة والعلم عند العرب والمسلمين كما شهد بذلك علماء ومفكرون غربيون لا نستطيع احصاءهم الآن. وإنا لنسأل بتعجب أيضا: ما سبب هذا التحامل على الإسلام؟.. هل هو الجهل بحقيقة الإسلام؟.. أو هل السبب هو رواسب تاريخية معينة لم يستطع أصحابها التخلص منها فانعكست على أقوالهم ومواقفهم في أيامنا هذه»؟.
هذه المطارحة الفكرية الجادة تلقيتها من مسؤول عربي خليجي كبير عرف بـ (اهتمامه الفكري الرفيع) على الرغم من مسؤولياته السياسية والادارية الضخمة.. وأتت هذه المطارحة تعليقا على مواقف غير ودية تجاه الاسلام في عالمنا هذا.
مرة أخرى، وثالثة، وعاشرة: ليس من العقل، ولا التبصر الواقعي، ولا المسؤولية الحضارية: أن تشغلنا السياسة ـ على أهميتها ـ عما هو مثلها، أو أخطر منها، وأبعد مدى: في الزمن والتأثير، وهو (الفكر).
ولئن نَفَذ مقال الأسبوع الماضي من حدث سياسي هو الانتخابات البرلمانية التركية، الى ما وراء الحدث وهو (الفكر العلماني) وموقفه من الدين، فإن مقال اليوم له مدخله الزمني الفكري وهو: المطارحة الفكرية لذلك المسؤول العربي الكبير وللمقال ـ في الوقت نفسه ـ مقتضاه الموضوعي.. ويتمثل هذا المقتضى الموضوعي في (ظاهرة فكرية): اتحدث في المضمون والغاية وان تعددت مصادرها.. ويمكن تكييف هذه الظاهرة وتسميتها بأنها (ظاهرة التغذية المستمرة والمتصاعدة بالخوف من الاسلام: بناء على انفعالات عاطفية وتعصبات نفسية وأحكام مسبقة، لا بناء على براهين عقلية نتجت عن بحث منهجي علمي نزيه وأمين).
وهذه منظومة من (أجزاء) الظاهرة و(قرائنها).
1 ـ في أواخر يونيو الماضي: انعقد مؤتمر يهودي عالمي تحت عنوان (التخطيط لسياسات الشعب اليهودي). وقد انتظم المؤتمر شخصيات عالمية: يهودية وغير يهودية: شخصيات سياسية وفكرية وعلمية واقتصادية وإعلامية. وانتهى المؤتمر الى نتائج ووصايا منها: ان مما يهدد مستقبل الشعب اليهودي هو (تعاظم المد الأصولي الديني في العالم).. ولا يقصدون بذلك: الأصولية الهندوسية، ولا المسيحية، ولا اليهودية. وإنما يقصدون (الأصولية الإسلامية).. وفي هذا المجال نفسه: لا يقصدون غلاة المسلمين ومتطرفيهم وإرهابييهم فحسب. بل يقصدون المسلمين أجمعين الذين يعتزون بدينهم، ويرجعون الى (أصوله) النقيّة في الكتاب والسنة ليهتدوا بها في حياتهم العامة والخاصة..
وهذه رؤية غير مفصولة عن رؤية أسبق منها في الزمن. فمنذ أكثر من ربع قرن صاغوا تقريرا استراتيجيا يقول: «ان المشكلة ليست في الشباب المسلم المتطرف إذ هم ضحايا للاسلام نفسه (!!!) الذي ما صَدَقَ مسلم في الالتزام به الا تحول الى متطرف وارهابي، فالمشكلة في الاسلام ذاته ولذا يجب أن ينعقد اجماع اقليمي وعالمي على مواجهة هذا الخطر».
2 ـ والسند متصل بكبير من كبرائهم، ورائد فيهم يصغي اليه الجميع، ويعتدون بآرائه وأفكاره وهو برنارد لويس. ففي كتاب (أوربا والاسلام) الصادر في يونيو 2007 (ذات الشهر الذي انعقد فيه المؤتمر اليهودي المذكور آنفا).. في هذا الكتاب يقول برنارد لويس: «إن الاسلام عاد الى النضال من أجل الهيمنة على العالم اليوم على حساب المسيحية كما حدث من قبل في الشام وشمال افريقيا ووسط أوربا.. إن أحداث 11 سبتمبر كانت مجرد مقدمة، وان الهجوم هو أول السلسلة في هجوم شامل يتعدى الهجمات الارهابية ليأخذ أشكالا وصيغا أخرى مثل هجرة أفواج من المسلمين الى أوربا وتأثيراتهم في الحياة الأوربية من خلال تكاثرهم ومعهم قيمهم وأعرافهم وتقاليدهم».. ولويس هذا صاحب نظرية مركبة هي: ان العلة في الاسلام قبل أن تكون في المسلمين. وان التاريخ الاستعماري أثبت أن العرب والمسلمين لا يستطيعون الحياة إلا تحت وصاية أجنبية.
3 ـ في خواتيم يوليو الماضي: انبعث جورج جاينسفاين: السكرتير الخاص لبابا الفاتيكان، انبعث يقول: «ينبغي ألا نستهين بأسلمة الغرب، وألا نتجاهل خطرها على هوية أوربا بذريعة مجاملة تفهم بشكل خاطئ.. ان الكاثوليكية ترى ذلك جاليا وتقوله بوضوح».
تلك أجزاء ثلاثة أو قرائن ثلاث من ظاهرة (التغذية الفكرية الواسعة والمتزايدة بالخوف من الاسلام والمسلمين).. وقد اكتفينا بهذه النماذج لأن الايراد الكامل للقرائن كافة، ينقل الموضوع من دائرة المقال الى دائرة تأليف كتاب أو كتب.
فماذا وراء (الخوف المرضي) من الإسلام؟.. هل وراءه (وهم) سببه الجهل المطبق؟.. يجوز.. هل سببه (كراهية) صنعها التعصب الطاغي؟.. يجوز.. هل سببه (معركة مفتعلة) دافعها الاستغلال السياسي الغربي للدين؟.. يجوز.. هل سببه: الحكم على الاسلام من خلال سلوك رديء كريه لبعض المسلمين؟.. يجوز.. ولكن هذا الحكم ينسحب ـ كذلك ـ على المسيحية واليهودية بواسطة الحكم عليهما بما فعله هتلر وموسوليني المسيحيان في الحرب العالمية الثانية وبما تفعله اسرائيل اليهودية بالفلسطينيين الآن.
غريب وعجيب ومفجع حقا سلوك البشر.. هل الناس مجانين؟.. لماذا يحرصون على (التنقيب) عما يفرقهم ويباعد بينهم، ويهملون ـ بتفريط معيب ـ ما يقرب ويؤلف بينهم؟.
ان (قيم الاسلام) التي يخافون منها الى درجة الهلع، ليست بعيدة عنهم، لو أنهم فكروا بعقولهم الحرة وضمائرهم الصادقة فيها.. إنهم لو فعلوا ذلك لوجدوا أن هذه القيم والمبادئ هي هي نفسها التي بشر بها نبيا الله: موسى بن عمران، وعيسى بن مريم صلى الله عليهما وسلم.
إننا نكتب لقراء نحترم عقولهم ومستوياتهم الثقافية والفكرية. وبهذا المقياس، من حقهم علينا أن نقدم البراهين والأدلة التي تثبت (دعوى): ان الاسلام تضمن ـ بلا ريب وبوضوح واستفاضة ـ القيم والمبادئ التي بشر بها موسى وعيسى عليهما السلام.
1 ـ إن جوهر الإسلام هو الإيمان بالله وتوحيده وعبادته والإخلاص له. فقد تنزل على نبي الله محمد: «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين. ألا لله الدين الخالص».. وهذا هو جوهر رسالة نبي الله موسى: «فلما أتاها نودي يا موسى. إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى. وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى. إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري».. وهذا هو جوهر الرسالة التي هتف بها نبي الله عيسى: «ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون. إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم».
2 ـ ان الإسلام دعا الناس إلى الحياة في نور الله وهداه: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم».. والدعوة إلى الحياة في نور الله وهداه هي (المضمون الأعظم) لرسالة نبي الله موسى: «إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا..».. وهذا هو ذات المضمون الأعظم، لرسالة نبي الله عيسى" «وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يدي من التوراة وهدى وموعظة للمتقين. وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه».
3 ـ بل هناك (تطابق) في تفاصيل كثيرة بين الإسلام وبين المسيحية.. من هذه التفاصيل:
أ – الصلاة والزكاة.. ففي القرآن: «وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة».. وفي رسالة عيسى ـ على لسانه ـ: «وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا».
ب ـ بر الوالدين.. ففي القرآن: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً».. وفي رسالة المسيح العظيم ـ على لسانه ـ:«وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا».
ج ـ حشمة النساء.. ففي القرآن: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلالبيبهن».. وفي وصية بطرس للنساء: «لا تكن زينتكن زينة ظاهرة من ضفر الشعر والتحلي بالذهب والتأنق في الملابس، بل الخفي من قلب الإنسان» أي زينة بريئة من الفساد لنفس وادعة، ذلك هو الثمن عند الله.
ففيم الخوف من قيم الاسلام ومبادئه، وهي نفسها القيم والمبادئ التي بشر بها موسى وتوراته وعيسى وانجيله؟.. هل التقارب او التطابق ـ يمسي في غيبة العقل والضمير ـ ذريعة للتحامل على الاسلام والانتقاص منه والتخويف من قيمه؟.. يا الهي: كيف يفكر الناس؟!
ويبدو أن مواقف التحامل والتخويف هي (محض تعصب) عنصري او حضاري، لا علاقة له برسالة المسيح السمحة المرحبة بالحق والحكمة أنَّى كان مصدرها.. والدليل على انه محض تعصب عنصري هو: ان الاتحاد الاوربي رفض ان يتضمن الدستور الاوربي عبارة (دور القيم المسيحية في الحضارة الاوربية).. والدليل الثاني: ان الاتحاد الاوربي نفسه طلع على الناس منذ اسابيع بهذه المقولة: «ان القول الديني بخلق السموات والارض في ستة ايام يهدد حقوق الانسان»!.. ومعروف ان خلق السموات والارض في هذه المدة نصوص وردت في (الكتاب المقدس).. ووردت ـ كذلك ـ في القرآن المجيد (وهذا من براهين التلاقي والتطابق).. وتلك المقولة الاوربية اذ تدل على استمرار نزعة النفور من المسيحية نفسها هناك، فانها تدل ـ من جانب آخر ـ على جهالة مطبقة بمفهوم (اليوم عند الله سبحانه) فاليوم عند الله كخمسين ألف سنة مما نعد: «تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة».. ثم هي جهالة مطبقة بقانون (التدريج) المعارض لمقولات (الطفرة)، وهو قانون تحدث عنه ابن خلدون فوصفه بأنه (هيئة بديعة من التدرج).. واذا كانت قضية (الخلق والتكوين) قد اصطدمت بمفاهيم دينية معروفة في اوربا ادت الى الصراع مع المؤسسة الدينية والى النفور من الدين نفسه، فان الحال ليس كذلك مع الاسلام والمسلمين، فعلماء الاسلام وفلاسفته منذ القرن العاشر الميلادي، ناقشوا هذه القضية وانتهوا ـ عقليا ـ الى ان خلق السموات والارض ـ وما فيهما ـ كان بقدرة الله ومشيئته، وانه تطور او (تدرج) بمشيئة الله عز وجل ومن هؤلاء العلماء: أحمد البلخي وابن مسكويه والطبري والفارابي وهذا (الفكر التنويري) المبكر هو من (القيم العلمية والحضارية) التي اهداها المسلمون الى الحضارة الاوربية.. يقول المفكر بريفولت في كتابه (بناء الانسانية).. «لقد كان العلم اهم ما جاءت به الحضارة الاسلامية، وليس ثمة ناحية واحدة من نواحي الازدهار الاوربي إلا يمكن ارجاع اصلها الى مؤثرات الثقافة الاسلامية بصورة قاطعة وكانت اظهر ما تكون في العلوم الطبية وروح البحث العلمي».. فلماذا الخوف من الاسلام وهو جسر تلاق وائتلاف ومصدر تنوير وابداع؟.. على ان هذا المفهوم السمح الواعد ينبغي ان يتمثله المسلمون انفسهم ولا سيما الذين يعيشون في الغرب.. يتعين عليهم ان يمارسوا قيمهم الاسلامية في اطار قوانين البلاد التي يعيشون فيها. فهذه القوانين من العهود التي يتوجب الوفاء بها وفاء مقترنا بالعلم الراسخ بأنهم لم يكلفوا بتطبيق الشريعة الاسلامية كدستور عام يحكم الحياة كلها، فهم لا يستطيعون ذلك.. والقاعدة العلمية العملية ـ ها هنا ـ هي (لا تكليف بما لا يطاق).. يضم الى ذلك: ان المناهج والشرائع والقوانين التي تطبقها البلدان التي يعيشون فيها هي من (التعددية) التي ارادها الله، والتي ينبغي احترامها: «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة

No comments: